تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

«داعش»: الحل العسکری أم حرب أفکار؟

فی خطاب اللیلة الثالثة من محرم، تناول الأمین العام لحزب الله سماحة السید حسن نصر الله الظاهرة التکفیریة متحدثاً عن مخاطرها وأسبابها وآلیة مواجهتها.
رمز الخبر: ۶۱۱۲۱
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۲۱:۲۴ - 02November 2014

«داعش»: الحل العسکری أم حرب أفکار؟

حسام مطر

فی خطاب اللیلة الثالثة من محرم، تناول الأمین العام لحزب الله سماحة السید حسن نصر الله الظاهرة التکفیریة متحدثاً عن مخاطرها وأسبابها وآلیة مواجهتها. ورأى سماحته أن الأصل فی نشوء الظاهرة التکفیریة یعود للأصل الثقافی الذی یغذیها ویمدها بالدوافع المطلوبة، وهذا الجذر هو الفکر الوهابی. فیما اعتبر سماحته أن العوامل الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة هی ظروف أو عوامل ثانویة. وبناء علیه، أعطى السید نصر الله المعالجة الثقافیة لظاهرة التکفیر الأولویة بهدف تقلیص قدرة داعش ومثیلاتها على تحصیل التأیید الشعبی وجذب مقاتلین جدد، وهذا من شأنه لاحقاً توفیر إمکانیة للمعالجة الأمنیة – العسکریة.

بمعنى ما، یرى سماحة السید أن هذه المواجهة إنما ترتکز على "حرب أفکار" وعلى "کسب العقول والقلوب". یجب عزل هذا الفکر المتطرف وتهمیشه بما یجعله مکشوفاً أمام الاستهداف. من الصعب هزیمة هذه الجماعات ما دام الفکر التکفیری یجری رعایته ونشره وتلقینه وتدریسه، لأنک مهما قتلت من هذه الجماعات فإنها تمتلک القدرة على تجنید المزید. کما أن الحل العسکری من دون معالجة الفکر التکفیری وتهمیشه سیؤدی الى تمتین التضامن الاجتماعی داخل وفی محیط هذه الجماعات. إلا أنه عند الحدیث عن الدوافع العقائدیة عند هذه الجماعات التکفیریة یجب الالتفات الى نقطتین أساسیتین:

أولاً، یجب الإقرار أن الدوافع داخل هذه الجماعات متداخلة. بمعنى آخر هؤلاء الأفراد یریدون النصر، یریدون أولاً إقامة الخلافة، أی تجسید مشروعهم الفکری المقدس الذی یشکل نواة هویتهم. قد یصح أن جملة من هؤلاء الأفراد محکومون لحالة "روحانیة" مرتفعة تجعل من "الشهادة" حلمهم الأول، ولکن هذا لیس حال المنظمة التی ینتمون إلیها. أی أن داعش تسعى بدایة لإعلاء رایتها أی رایة الإسلام کما تفهمه، وإن کان طموح جملة من مقاتلیها الشهادة على المستوى الفردی.

ثانیاً، یجب التمییز بین نواة هذه المجموعات والمنتسبین الجدد. تعانی داعش من حرکة استنزاف فی مقاتلیها سواء بسبب الخسائر التی تتعرض لها أو بسبب توسعها المطرد فوق جغرافیة مترامیة. وعلى الأرجح أن الاستنزاف یطال نخبة المقاتلین کونهم من یتولون العملیات الخاصة. نواة داعش بالتأکید تمتلک مستوى تعبئة إیدیولوجی متقدم، إلا أن المنتسبین الجدد لم یحظوا بعد بالتثقیف والتعبئة الضروریة نظراً لأولویة العمل العسکری خلال هذه المرحلة المنهِکة. ولذا یُلاحظ مثلاً فی سوریا، أن أغلب العملیات الانتحاریة لم یقم بها سوریون بل أجانب ومن کان من الانتحاریین السوریین فهو ممن انتسب لداعش منذ تجربتها فی العراق على عهد الزرقاوی.
 

الإشکالیة أن حزب الله وحلفاءه لا یمکنهم الـتأُثیر بالشکل الکافی لتهمیش الفکر التکفیری، ولذا تحدث سماحة السید عن أولویة ومسؤولیة النظام السعودی. وهنا تبرز إشکالیة أخرى، أن النظام السعودی لا مشکلة لدیه مع هذه الجماعات ما دامت تمارس التکفیر بعیداً عنه، بل إنه یستثمر بشکل أو آخر فیها. صحیح أن تمدد داعش بهذا الشکل الواسع أثار قلق السعودیین، إلا إنهم معنیون فقط بدفعه عن حدودهم ولیس بتغییر مجمل منطلقاته الفکریة. إن محاولة السعودیة معالجة الفکر الوهابی، ولو بصورة جزئیة، سیضع النظام أمام تحدٍّ داخلی جدی.

هنا من المفید الإشارة الى ما کتبه رافاییل کوهین من مؤسسة راند الذی یخالف النظرة السائدة فی السنوات الأخیرة والتی تفید أنه لهزیمة قوة إرهابیة أو حرکة تمرد لا بد من اعتماد إستراتیجیة تترکز حول "کسب العقول والقلوب" داخل المجتمع الذی تدور داخله المواجهة، بما یمنع عن هذا اللاعب الموارد المقاتلین الاحتضان والمعلومات. إذ إنه بحسب کوهین توجد عدة ثغرات داخل هذه النظریة أبرزها: أولاً انه من الصعب إقناع السکان فی لحظة القتال بالابتعاد عن القوة الإرهابیة او حرکة التمرد نتیجة الحماسة والمشاعر المتأججة وأیضاً بسبب الخوف من قوة الحرکة تلک بما یجعل حتى الحوافز الاقتصادیة غیر مجدیة تماماً.

ثانیاً، یضیف کوهین، أن قوة هذه الحرکة لا تحتاج إلا لتأیید شریحة محددة من السکان وهذا ما یتضح من تجربة داعش. فی الواقع حتى مکافحة داعش بالمدى المنظور لا تحتاج الى تأیید شعبی واسع، إلا فی المرحلة التالیة للصراع ای مرحلة إعادة بناء الدولة. "کسب العقول والقلوب" لها تأثیر محدود على مخرجات الصراع العسکری، فهذا الکسب لیس سبباً للانتصار على قوة الإرهاب حرکة التمرد بل کنتیجة للانتصار. حین یرى السکان أن الحرب وضعت أوزارها وأن إعادة الإعمار انطلقت یصبح من الممکن نیل دعمهم.

بناء على ما سبق، فی المدى المنظور ستتقدم المعالجة الأمنیة – العسکریة ولو بحدود درء الخطر الداعشی عن مناطق محددة ولیس القضاء علیه بانتظار أن تکتمل الظروف السیاسیة – الإستراتیجیة لخلق إجماع إقلیمی – دولی لسحق داعش ومثیلاتها، کما حصل مع القاعدة، وندخل حقبة "الخلایا والفکر الداعشی" بدل التنظیم الموحد المرکزی.

المصدر: موقع العهد الإخباری

رایکم
الأکثر قراءة